سوق الأسهم السعودية.. ما بين المحددات الإيجابية وسلوك المضاربين
إن ما يشغل جميع السعوديين من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب هذه الأيام هو سوق الأسهم السعودي وكلنا نعرف التقلبات الكبيرة التي تحدث فيه بين آن وآخر. ما مدى ضخامة هذا السوق وإلى أين يتجه هذا السوق هو ما سأحاول تقديمه لكم مستخدماُ بعض المؤشرات التي تهمنا نحن كمحللين ماليين بالخصوص وكذلك بالنسبة للمتابعين للشأن الاقتصادي بالمملكة والعاملين بالبنوك والمؤسسات المالية الأخرى. ولكن كيف نقرأ السوق؟
إنه وبلا شك سوف تكون قراءتي للسوق مختلفة عن بعض المستثمرين وخصوصاً المضاربين في صالات التداول. إن ما يمارسه الكثير من المضاربين لا يتفق مع ما يتم تقيمه أولاً من قبل المتابعين للشأن الاقتصادي وخصوصاً فيما يتعلق بدور سوق المال في تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة من أجل تحقيق النمو والتنويع الاقتصادي وثانياً مع ما يقوم المحللون الماليون به من السعي لمعرفة الأداء المالي للشركات العاملة في سوق الأسهم وآفاقها المستقبلية، بل يسعى المضاربون وللأسف في متابعة ونشر الإشاعات والمضاربة في السوق، إلى درجة غياب مفهوم الاستثمار للمدين المتوسط والطويل.
هيكلة سوق الشركات
عند الدخول إلى سوق الأسهم السعودي لابد أن ينظر إليه على أنه مجموعة من الشركات التي تقوم بوظائف اقتصادية، من خلال تقديم الخدمات والسلع إلى جانب خلق الوظائف للملايين من السعوديين والمقيمين وليست مجرد أوراق يتم تبادلها في الصالات.
وهو بالتالي يمثل سوقاً مستقبلية للآلاف من الشركات العاملة في المملكة التي وصل عددها في عام 2003م ما يقارب 12,489 شركة باستثناء الشركات المسجلة باسم شخص واحد، في حين شكلت الشركات المساهمة في عام 2003م 121 شركة. وما بين عام 2003م إلى عام 2005م ارتفع عدد الشركات المساهمة إلى 388 شركة حتى وصل عدد هذه الشركات مُؤخراً إلى 425 شركة، حيث تعتبر هذه الشركات الأكثر استعداداً بأن تطرح أسهمها في المستقبل القريب للاكتتاب العام.
إن هذه الشركات المساهمة ورغم قلة عددها إلى إجمالي الشركات إلا أنها تحظى بالجزء الأكبر من رأس المال المستثمر، إذ وصل إجمالي الاستثمار فيها حوالي 84 مليار ريال من إجمالي 180 مليار ريال في عام 2003. وبينما ارتفع عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم إلى 79 شركة من إجمالي 425 شركة مساهمة، غير أن هذا العدد بالنسبة لاقتصاد بحجم الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية يعتبر متدنياً، فمثلاً دول أخرى مثل ماليزيا ومصر وجنوب كوريا يتجاوز عدد الشركات المدرجة بأسواقها ما هو موجود حالياً في المملكة. ولكن في ظل الأوضاع الاقتصادية الإيجابية التي تعيشها المملكة الحالية فإنه من المتوقع أن يزداد عدد الشركات المساهمة وتلك المدرجة في سوق الأسهم. ولقد بلغت حقوق المساهمين لهذه الشركات المدرجة 278 مليار ريال بنهاية عام 2005م كما وصل إجمالي الأصول إلى 979 مليار ريال في نفس العام، أي قرابة 85٪ من إجمالي الناتج المحلي للملكة وهو ما يعني أن الشركات المدرجة تشكل ثقلاً كبيراً في اقتصاد المملكة العربية السعودية.
ولقد صلت رسملة سوق الأسهم لإجمالي القطاعات مع بداية شهر أبريل إلى نحو 2,6 تريليون ريال، إذ يشكل القطاع الصناعي نحو 40٪ من إجمالي الرسملة، ويأتي القطاع المصرفي بنسبة 29٪، ثم الاتصالات بنسبة 16٪، الكهرباء (5٪)، الأسمنت (4,4٪)، الخدمات (٪3,8)، الزراعة (1٪)، وأخيراً التأمين بنسبة 0,4٪. وإذا ما نظرنا إلى ملكية سوق الأسهم السعودي فلا تزال حكومة المملكة ممثلة بصندوق الاستثمارات تمتلك نحو 46٪ من إجمالي هذه القيمة السوقية بينما يمتلكون الافراد نحو 40٪، أما المؤسسون فيمتلكون قرابة 8٪ والأجانب الشركاء في بعض الصناعات والبنوك المشتركة يمتلكون النسبة المتبقية بنحو 6٪. وما يعنينا بشكل كبير هنا هو أن ما يتم تداوله فعلياً في السوق هي تلك حصة الأفراد بحوالي 40٪ من إجمالي الأسهم. ولذا فإن التغير في أسعار الأسهم المتاحة للتداول ينعكس على إجمالي الأسهم بما فيها ملكية الدولة في سابك مثلاً بمقدار 70٪ وكذلك الاتصالات السعودية بنسبة 70٪ وغيرهم مما يؤثر بشكل كبير في احتساب مؤشر التداول. إنه حبذا لو تقوم هيئة سوق رأس المال باحتساب مؤشر تداول على أساس ما هو متاح للتداول بعد استبعاد حصة الدولة، حتى يعكس المؤشر التوجه الحقيقي لحركة السوق ولا يكون مضللاً.
وكما يبدو واضحاً فإن رسملة سوق الأسهم السعودي للفترة من عام 2003م إلى عام 2005م وبداية عام 2006م كانت تنمو بوتيرة أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إذ يرجع السبب الأكبر في ذلك إلى الارتفاع الحاد للأسعار وبنسبة أقل إلى إدراج شركات جديدة وزيادة في رسملة بعض الشركات. ولكن في الفترة الأخيرة خلال العام الماضي وبداية العام الحالي بدأت القيمة السوقية تتجاوز الناتج المحلي بنسبة كبيرة، مما يعني أن هناك تضخم في أسعار أسهم الكثير من الشركات وإن كانت بنسب متفاوتة.
وبيد أن هذه العلاقة تشير إلى زيادة عمق السوق حيث تجاوزت نسبة الرسملة إلى الناتج المحلي الإجمالي 200٪، وهو ما يدلل أيضاً على زيادة عدد المتداولين وتنوع شرائحهم، وهذا ما يدعو بضرورة توسيع قاعدة السوق، أي إدراج شركات أخرى حتى يحُد ذلك من الارتفاع الغير مبرر للأسعار الذي يعقبه تصحيح حاد كما حدث مؤخراً. لذا فإن الضغط على الأسعار بالارتفاع كما حدث في بداية العام الحالي أمرٌ يجب التحوط له، لأنه ينذر بمشكلة خطيرة في حالة ما حدث أي تغير سلبي في المؤشرات الاقتصادية، مثل تراجع أسعار النفط ومن ثم انخفاض معدلات نمو السيولة أو ارتفاع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة.
محددات أداء السوق
إن محددات سوق الأسهم السعودي الآن إيجابية في معظمها، حيث تعيش المملكة حاليا طفرة اقتصادية يمكن أن تكون استثنائية وغير مسبوقة. لقد مرّ اقتصاد المملكة في منتصف السبعينيات بطفرة اقتصادية ثم تبعها بطفرة أخرى وإن كانت قصيرة في بداية الثمانينات. ورغم أن هذه الطفرات الاقتصادية كانت مرتبطة بسوق النفط العالمي كما هو الحال الآن، إلا أن الطفرة الحالية مختلفة عن الفترتين السابقتين. فبينما كانت الطفرات السابقة متأثرة بجانب العرض للنفط نتيجة الأحداث السياسية بالذات في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الطفرة الحالية التي نمرُ فيها متأثرة بجانب الطلب على النفط، بمعنى أن الطلب يتجاوز المعروض وهو ما يدعو إلى التفاؤل باستمرار الأسعار في مستويات مرتفعة. كما يقودنا إلى الاعتقاد باستمرار العوائد النفطية الكبيرة التي سوف تنعكس على معدلات الإنفاق الحكومي ومن ثم تسريع عجلة النمو الاقتصادي، حيث ارتفع بمعدل 17٪ في عام 2004 ومن ثم بنسبة 23٪ في عام 2005 والذي كان له تأثيراً كبيراً على مؤشر سوق الأسهم السعودي خلال العاميين الماضيين.
أما بالنسبة للسيولة، التي ما هي إلا انعكاس لأسعار النفط، فعندما ترتفع أسعار النفط والغاز ومن ثم ترتفع عوائد البلاد، فإنه عادة ما يتم ضخ الجزء الأكبر من هذه الأموال في الاقتصاد السعودي من خلال المشاريع التي تطرحها الدولة أو مشاريع التوسعة لأرامكو السعودية أو مشاريع أخرى جديدة مثلاً لسابك. إن الإنفاق على هذه المشاريع يؤدي إلى ارتفاع معدلات السيولة لدى القطاع المصرفي. ومن ثم تقوم البنوك بإقراض هذه السيولة للأفراد وللشركات. ورغم أن الهدف الرئيسي لإقراض الأفراد هو لتلبية متطلباتهم المعيشية من مسكن وأثاث وغيره، إلا أنه من الواضح أن البعض قد استخدموا بعض هذه القروض، والتي تقدر بنحو 30٪ من أجمالي القروض الفردية، في سوق الأسهم وبالذات أسهم المضاربة. ولذلك فإن معدلات السيولة هي من أهم المحددات لتوجهات السوق والتي ارتفعت بمعدل 19٪ في عام 2004 ومن ثم بمعدل 11٪ في عام 2005، كما أنها نمت بنحو 4٪ بنهاية فبراير من عام 2006. وهذه العلاقة تشير بوضوح كيف كان تأثير السيولة القوي جداً خلال الأعوام القليلة الماضية على مؤشر سوق الأسهم السعودي.
وهناك علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وسوق الأسهم وإن كانت ضعيفة، فمثلاً في الأعوام 1992م و1993م و1994م عندما كانت أسعار الفائدة ترتفع كان مؤشر سوق الأسهم السعودي يتجه إلى الانخفاض. أما الصورة فقد كانت مغايرةً خلال الفترة الماضية ما بين عام 2002م وعام 2004م، حيث كانت أسعار الفائدة متجهة إلى الانخفاض بينما كان مؤشر السوق يتجه بالصعود. ويأتي تأثير أسعار الفائدة العكسي على أسواق الأسهم في جانبين، أولهما، في حال تدني أسعار الفائدة، يكون العائد على الودائع الآجلة ضئيلاً وبالتالي يشجع ذلك المستثمرين على توجيه الحصة الكبرى من أموالهم إلى أسواق الأسهم كما أن العكس صحيح. وثانياً، إنه بتدني أسعار الفائدة، تنخفض كلفة الإقراض على الشركات بما فيها تلك المدرجة في سوق الأسهم مما يمكنها من تمويل مشاريعها التوسعية وبالتالي زيادة أرباحها بما ينعكس إيجاباً على أسعار أسهمها في السوق.
إن أهم المعايير التي ينظر لها عند تقييم السوق هي ربحية الشركات، فالمستثمر يتطلع إلى الأرباح التي يتم توزيعها في نهاية السنة وكذلك زيادة الاحتياطيات التي سوف تؤدي بالتالي إلى الحصول على أسهم مجانية. لذا فالعلاقة ما بين سوق الأسهم وربحية الشركات قوية، ففي عام 2003م وصلت الأرباح لإجمالي السوق حوالي 31 مليار ريال ثم ارتفعت بنسبة 45٪ لتصل إلى 45 مليار في عام 2004. كما ارتفعت العام الماضي ايضاً بنسبة 46٪ لتصل إجمالي الأرباح إلى 65 مليار ريال.
غير أن أسعار الأسهم تصاعدت بوتيرة أسرع، حيث ارتفع مؤشر التداول للعام الماضي بنسبة 104٪. وفي حين أن الدلائل تشير إلى استمرار نمو الأرباح للسنة الحالية، لذا فإنه من المتوقع أن تستمر أسعار أسهم الشركات في الارتفاع، ولكن يعتقد أن يكون هذا الصعود معقولاً لهذه السنة بمعنى أن لا يتجاوز النمو في الأسعار معدلات النمو في الربحية، لأنه إذا ما أصبحت أسعار الأسهم مبالغ فيها، فإن السوق سوف يدخل في عملية تصحيح أخرى ربما تكون طويلة وقاسية مثل ما حدث مؤخراً.
المضاربات في سوق الأسهم
إذا ما كانت تلك المحددات إيجابية كما هو الحال الآن فإن التفاعل مع السوق يزداد حدة خصوصاً في الشركات المحدودية الأسهم التي يستطيع كبار الملاك فيها بالتأثير على توجهات الأسعار وخلق مجالاً للمضاربة على أسهم هذه الشركات. وفي حين أن هذا الأمر يُعد طبيعياً في معظم الأسواق، إلا أن المبالغة فيه والوصول بأسهم شركات خاسرة أو ضعيفة إلى مستويات غير مبررة أمراً قد يهدد استقرار السوق كما حدث خلال الشهر الماضي من هذا العام. وبينما ارتفع مؤشر السوق بنحو 104٪، وهو مستوى عالي جدا، نجد أن قطاع الزراعة ذو الربحية المتدنية ارتفع مؤشره بمقدار 285٪، قرابة ثلاث أضعاف ارتفاع المؤشر الإجمالي للسوق لعام 2005، وكذلك قطاع الخدمات الذي ربحية معظم شركاته محدودة، ارتفع مؤشره بنسبة 201٪ أيضاً خلال نفس الفترة. ولكن هذين القطاعين بالتحديد تعرضا للهبوط الحاد أثناء عملية التصحيح الأخيرة، إذ تراجع مؤشر القطاع الزراعي بنسبة 41,7٪ وانخفض مؤشر قطاع الخدمات بنسبة 23٪ حتى نهاية مارس من العام الحالي. ولذلك نعرف بوضوح مستوى المضاربة في أسهم قطاع الزراعة وقطاع الخدمات وبعض شركات القطاع الصناعي التي أيضاً تتم المضاربة في أسهمها، إذ إن هذه المضاربات أدت إلى رفع معدل تبادل الأسهم وبالتالي رفع مستوى الأسعار إلى مستويات غير مبررة على الإطلاق.
ويشير متوسط معيار التذبذب الأسبوعي سواء في مؤشر السوق أو أي شركة مدرجة إلى مدى المضاربة، من خلال التغير في السعر، سواء على مستوى السوق أو القطاع أو الشركة. فمثلاً في شهر مايو 2004م وصل متوسط معيار التذبذب الأسبوعي إلى 17,4٪ وهو مستوى عال جداً، إذً أدى ذلك إلى عملية تصحيح قوية تسببت في خسائر لبعض المستثمرين. ومن ثم عاود هذا المعيار التذبذب وإن كان بحدة أقل مرة أخرى في بداية عام 2005م ليبلغ 7,1٪. أما في الفترة الأخيرة من العام الماضي فقد تراجع متوسط معيار التذبذب الأسبوعي بعد أن حددت هيئة سوق رأس المال نطاق التغير اليومي في الأسعار بمقدار 10٪. وفي الفترة الماضية ابتداءً من نهاية شهر فبراير استمرت مستويات التذبذب في الارتفاع ليصل متوسط معيار التذبذب الأسبوعي 7٪، مما حدا بالهيئة إلى تطبيق 5٪ نطاقاً للتغير اليومي في الأسعار. إلا أن الهيئة مرة أخرى رجعت عن قرارها وأعادت نطاق التغير اليومي في الأسعار إلى 10٪ بنهاية مارس.
وعلى كل حال، فقد تفاوتت مستويات التذبذب بشكل كبير ما بين القطاعات المختلفة خلال الشهر الماضي، فقد سجل قطاع الكهرباء أعلى مستوى لمتوسط معيار التذبذب الأسبوعي بنحو 15,25٪، يليه قطاع الزراعة بنسبة 14,5٪. ولقد جاء قطاع الخدمات من حيث معيار التذبذب في المرتبة الثالثة بنسبة 9٪، ومن ثم قطاعات الاتصالات والصناعة والاسمنت بشكل متقارب حول 7,5٪، ولكن القطاع المصرفي سجل أدنى مستوى لمتوسط معيار التذبذب الأسبوعي بنسبة 4,9٪ خلال فترة الشهر الماضي.
ويمكننا التعرف على مسويات المضاربة ايضاً عن طريق معدل الدوران، أي قيمة الأسهم المتداولة في قطاع معين أوفي شركة معينة إلى رسملة القطاع أو رسملة تلك الشركة. فعلى سبيل المثال على مستوى السوق كلل لقد تم تداوله قرابة 1,7 مرة. ولكن في سوق الأسهم مثل ما ذكرت بالبداية هناك أسهم غير متاحة للتداول تمتلكها الحكومة، فإذا استبعدناها يصل معدل الدوران إلى 3 مرات. ولكن إذا نظرنا إلى قطاع الزراعة نجد أن كل سهم من أسهمه تم تداوله خلال العام الماضي بنحو 18,4 مرة، وهذا ما دفع بالأسعار في هذا القطاع إلى الارتفاع الغير مبرر. وكذلك بالنسبة إلى أسهم قطاع الخدمات فقد أدت المضاربة فيه إلى وصول معدل تداول أسهمه 7,6 مرات.
مواقع النشر (المفضلة)