خسارة السوق ترليون ريال لم تدفعهم للتصريح .. وبسبب خبر واحد تسابقوا عليه!!
مسئولية البيانات المختلَف حولها تقع على من أصرُّوا على إخفائها!!
فضل بن سعد البوعينين
في الأسابيع الماضية، كانت صحيفة (الجزيرة) في قلب الحدث الاقتصادي من خلال حضورها الإعلامي اللافت للنظر، وتردد اسم الصحيفة كثيراً في الإذاعات وفي محطات التلفزة المتخصصة، قدحاً ومدحاً وتحليلاً، كما أن المسؤولين أيضا لم يكونوا بعيدين عنها من خلال توجيه العتاب حيناً والإطراء في أحيان أخرى، على أسلوب وطريقة تعاملها مع القضايا الاقتصادية.
أحياناً يكون العتاب ضرورياً من أجل تصحيح بعض المعلومات الخاطئة لدى الطرفين، فالحوار مصدر أساسي لتوضيح وجهات النظر المختلفة، إلا أن الحوار والتواصل في المعلومات قد لا يكون متاحاً في كثير من الأحيان .. هناك بعض الجهات التي تؤثر التعامل مع الإعلام بالأساليب القديمة المعتمدة على الصمت وتهميش دور وسائل الإعلام المؤثر .. قد تتحوّل سياسة الصمت والتهميش الرسمية فجأة إلى سياسة إعلامية منفتحة عندما تتسرب بعض الأخبار المؤثرة إلى وسائل الإعلام. وقد تقتصر إستراتيجية الانفتاح المؤقّت على بيانات النفي والتفنيد.
ما الذي يدفع وسائل الإعلام إلى البحث عن الأخبار من غير مصادرها الرسمية؟ .. صعوبة الحصول على المعلومات المهمة من المصادر الرسمية، واستحالتها في أحيان كثيرة، هي التي تقود وسائل الإعلام نحو المصادر الخاصة الأخرى من أجل إشباع نهم القراء. قد تكون تلك المصادر الخاصة على مستوى متقدم من الدقة، إلاّ أنه يتعذّر عليها، في أحيان كثيرة، الظهور لإثبات صحة معلوماتها، كما أن وسائل الإعلام نفسها لا يمكن لها، بأي حال من الأحوال، التعريف بمصادر أخبارها الخاصة حماية لها، وتطبيقاً لمبدأ سرية المصادر المعلوماتية، وهو جزء مهم من ميثاق شرف المهنة.
وبغضِّ النظر عن صحة الأخبار المختلف عليها من عدمها، فإنّ الغلبة دائماً ما تكون في يد الجهات الرسمية، المصدر الرئيس لتلك البيانات والأخبار، ولا يمكن لعاقل أن يفنِّدها ما لم تثبت الوقائع والقرائن عكس ذلك، وهو أمر مستبعد في ظل سياسة التعامل مع المعلومات ذات العلاقة بالإحصائيات من مبدأ السرية التامة.
ترى لو أنّ بعض المسؤولين، تبرعوا بعقد مؤتمرات صحفية منتظمة، وطبّقوا سياسة النشر الإعلامي بحذافيرها لتزويد وسائل الإعلام بجميع البيانات المطلوبة، هل كنا في حاجة إلى الغوص في أعماق المصادر الخاصة من أجل الحصول على معلومات تصنّف على أنّها من المعلومات العامة غير السرية؟ وهل كنا في حاجة إلى أن نصل إلى مستوى التشكيك في نقل الأخبار بسبب ضبابية الموقف وانعدام المعلومة؟ .. كثير من الأطروحات الإعلامية الموجهة لبعض الجهات الرسمية لم تجد من يجيب عليها أو يتفاعل معها، سلباً أو إيجاباً، ما ساعد على خلق جو من الضبابية في الموقف الإعلامي.
هناك اختلاف كبير في تطبيق معايير الانفتاح الإعلامي الذي تمارسه بعض الجهات المسؤولة تجاه القضايا المختلفة، وحتى الآن لم نتوصل بعد إلى معرفة أسس النشر الإعلامي المتّبعة لديهم قياساً لما يحدث من تناقضات إعلامية غريبة تشهدها الساحة الاقتصادية في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
لا أعلم كيف يتحمّل البعض خسارة أكثر من تريليون ريال سدِّدت من حسابات المستثمرين، أرامل وأيتام وفقراء وأغنياء، دون أن يصدروا تصريحاً واحداً عن الأزمة، ثم يتسابقون على التواجد الإعلامي بسبب ورود خبر واحد استسقيت معلوماته من مصادره الشخصية بعد أن تعذّر الوصول إلى مصادره الرسمية. كنا في أمس الحاجة إلى هذا التسابق الإعلامي منذ بداية انهيار سوق الأسهم.
وكانت السوق أكثر حاجة لبيانات الدعم، وبيانات توضيح الرؤى العامة ووضع المجتمع في قلب الحدث بكل شفافية ووضوح، كالشفافية التي انتهجها المجلس الاقتصادي الأعلى، ومجلس الوزراء الموقّران برئاسة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -.
في حالة فقدان الإحصائيات والمعلومات الدقيقة، تكثر الشائعات وتنتشر المعلومات غير الدقيقة ما يدخل وسائل الإعلام في حرج شديد مع القراء الذي ينتظرون المعلومة الصحيحة من جهة، ومع الهيئات ذات العلاقة التي ترفض أن تفرج عن بعض المعلومات الإحصائية من جهة أخرى. الإعلام الذكي هو الذي يستطيع أن يستنطق الآخرين، ويحثهم على البوح بالحقائق التي تهم المجتمع بأسره، من خلال نقل الأخبار التي يغلب عليها طابع الصحة من الناحية المهنية، وبعد التأكد من أهلية المصادر الخاصة. فنشر خبر قد يقود للحصول على المعلومة الحقيقية التي تهم المجتمع بأسره بكلِّ يسر وسهولة من خلال بيانات التفنيد المضادة المتخمة بالمعلومات المهمة التي كان من المفترض أن تنشر تلقائياً، أو أن تقدم، دون تردد لطالبيها من الإعلاميين.
أيّاً تكن تبعات النشر، فإن مسؤولية نشر البيانات والإحصاءات التي يختلف في دقّتها، تقع على عاتق الذين أصروا على إبقاء الإحصاءات والبيانات التي تهم المستثمرين قيد المنع والاحتكار.
تعتبر البيانات والإحصائيات العامة، خصوصاً ما يتعلق منها بأسواق المال، أحد أهم أدوات التحليل التي يستخدمها المستثمرون لتحديد إستراتيجياتهم الاستثمارية. وقد ازدادت الحاجة لها مع تطور الاقتصاد السعودي ونموه، وقبول المملكة كعضو كامل الأهلية في منظمة التجارة العالمية. فالاقتصاد السعودي يمر بأفضل حالات النمو والازدهار ويبشر بمستقبل زاهر بإذن الله، إلاّ أنّ ذلك المستقبل يحتاج إلى أمور داعمة تساعده في بلوغ الهدف، ومن ضمنها توفر البيانات الإحصائية التي تعتبر من أهم الأدوات التي يمكن من خلالها رسم السياسات والإستراتيجيات العامة والخاصة على حد سواء، - نشر البيانات والإحصائيات المهمة في وقتها تضع الجميع في موضع الحدث، وتحمي وسائل الإعلام، والكتاب من تناقل الأرقام غير الرسمية. لا يمكن أن نعتب على وسيلة إعلامية بسبب نشرها معلومة اعتقدت صحتها في الوقت الذي نحجم فيه عن التعاون معها بالمعلومات الصحيحة.
من وجهة نظري الخاصة، تستحق صحيفة (الجزيرة) الحصول على جائزة السبق الصحفي في سوق المال بعد تمكُّنها من إظهار الإحصائيات الرسمية الدقيقة لعدد المحافظ المسيلة (التي تمّت تصفيتها من قِبل البنوك) ومبالغها المالية، وهي المعلومة التي انتظرها المستثمرون منذ أن بدأت البنوك عمليات تصفية المحافظ إبان الانهيار العظيم.
مواقع النشر (المفضلة)